Sunday, November 13, 2016

الأثر المذهبي في توجيه النصوص الحديثية

مقدمة


لكل مذهب من المذاهب الفقهية أصول محكمة بني عليها، فأما أعلام مذهب أبي حنيفة فهي القرآن الكريم والحديث الشريف، والإجماع، والتوسّع في القياس، والاستحسان، والمخارج من المضايق (الحيل الشرعية). وأما أعلام أصول مذهب مالك فهي القرآن، والحديث الشريف، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي، والقياس، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، وأما أعلام أصول مذهب الشافعيّ فهي القرآن، والحديث الشريف، والقياس والإجماع، وأما أعلام أصول مذهب أحمد بن حنبل فهي القرآن، والحديث الشريف، وفتاوى الصحابة، والقياس.
مع ذلك لم يمنع اتفاق المذاهب واشتراكهم في كثير من معالم مذاهبهم من اختلافهم في الأحكام الفقهية، وهذا يحملنا على أن تساؤل حول مدى تأثر شراح كتب الحديث في تناولهم وشرحهم الأحاديث بأصولهم التي سطرتها مذاهبهم؟ وإلى أي مدى كانوا يلتزمون بها؟ ومتى كانوا يخالفونها؟
وهناك سؤال يطرح نفسه وهو: إذا كان الفقهاء متشبثين بأصول مذاهبهم في استنباط الأحكام واستخراجها على قواعد الإمام، فهل يحق للمحدثين أن يخالفوا الفقهاء بما أن صناعتهم مختلفة؟
من أجل بيان هذه القضية وإيضاحها سنأخذ مسألة واردة في بعض كتب الحديث وسنتأمل كيفية تعامل الشارح معها، وهل تناولها بخلفيات مذهبية أم لا، وهل له اختيارات خاصة في بعض القضايا يخالف بها أصول المذهب الذي ينتمي إليه. وبناء على ذلك فقد اخترت تناول مسألة مقدار الرضاع الذي يحرم ليكون موضوع هذا البحث، وقد اخترت كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني أنموذجا للمذهب الشافعي، وشرح ابن بطال على صحيح البخاري أنموذجا للمذهب المالكي، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني أنموذجا للمذهب الحنفي.


يقول ابن رشد الحفيد مبينا هذه المسألة: أما مقدار المحرم من اللبن فإن قوما قالوا فيه بعدم التحديد، وهو مذهب مالك وأصحابه. وروي عن علي، وابن مسعود وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وهؤلاء يحرم عندهم أي قدر كان، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، والأوزاعي.
وقالت طائفة بتحديد القدر المحرم، وهؤلاء انقسموا إلى ثلاث فرق، فقالت طائفة: لا تحرم المصة ولا المصتان، وتحرم ثلاث رضعات فما فوقها، وبه قال أبو عبيد، وأبو ثور. وقالت طائفة: المحرم خمس رضعات، وبه قال الشافعي. وقالت طائفة: عشر رضعات.
والسبب في اختلافهم في هذه المسألة معارضة عموم الكتاب للأحاديث الواردة في التحديد، ومعارضة الأحاديث في ذلك بعضها بعضا. فأما عموم الكتاب فقوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) سورة النساء: 23، وهذا يقتضي ما ينطلق عليه اسم الإرضاع.
والأحاديث المتعارضة في ذلك راجعة إلى حديثين في المعنى:
أحدهما: حديث عائشة وما في معناه أنه قال عليه الصلاة والسلام:(لا تحرم المصة ولا المصتان، أو الرضعة والرضعتان) أخرجه مسلم من طريق عائشة، ومن طريق أم الفضل، ومن طريق ثالث، وفيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان).
والحديث الثاني حديث سهلة في سالم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (أرضعيه خمس رضعات). وحديث عائشة في هذا المعنى أيضا قالت: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات، ثم نسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن).
فمن رجح ظاهر القرآن على هذه الأحاديث قال: (تحرم المصة والمصتان). ومن جعل الأحاديث مفسرة للآية، وجمع بينها وبين الآية، ورجح مفهوم دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحرم المصة ولا المصتان) على مفهوم دليل الخطاب في حديث سالم قال: الثلاثة فما فوقها هي التي تحرم، وذلك أن دليل الخطاب في قوله: (لا تحرم المصة ولا المصتان) يقتضي أن ما فوقها يحرم، ودليل الخطاب في قوله: (أرضعيه خمس رضعات) يقتضي أن ما دونها لا يحرم.[1]

خلاصة هذه المسألة

أن منشأ الخلاف يعود إلى ثلاثة مذاهب:

المذهب المالكي: تقديم ظاهر القرآن على أحاديث الآحاد إذا قابلته، وكذلك إذا كان معنى القرآن الكريم يؤيد ما عليه الفتوى بالمدينة دون الحديث، فقد روى مالك عن عروة عن سعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري أن القطرة الواحدة تحرم.
المذهب الحنفي: ذهب أرباب المذهب الحنفي إلى ما ذهب إليه المالكية في أن الرضاع يحرم بأي قدر كان، ومستندهم في ذلك ما كان عليه العمل في الكوفة.
المذهب الشافعي: ذهب إلى اشتراط العدد في الرضاع، وأربابه نظروا إلى أن الآية وردت في معنى كلي، والكلي في إحدى وجوهه له حكم المجمل، والقرآن يحتاج إلى بيان، والسنة أحد أوجه البيان، وكما أن السنة بالنسبة لما جاء من القرآن من أحكام مراتب ثلاثة[2]:
أحدها: أن تكون مقررة ومؤكدة لحكم جاء في القرآن.
ثانيهما: أن تكون مفصلة ومفسرة لما جاء في القرآن مجملا، أو مخصصة لما جاء فيه عاما، أو مقيدة لما جاء فيه مطلقا.
ثالثهما: أن تكون منشئة ومثبتة لحكم سكت عنه القرآن.
إذن بعد بيان الأصول التي سطرها أرباب المذاهب في التعامل مع هذه المسألة، سنتناول كتب الشروح التي حددناها لنتبين درجة التزام الشراح بأصولهم، وكيفية تعاملهم معها.

المذهب المالكي


شرح ابن بطال على صحيح البخاري (ت 499ه)
قال ابن بطال رحمه الله:
واختلفوا في مقدار الرضاع الذي تثبت به الحرمة، ولا تجوز الزيادة فيه
قال ابن المنذر:
قالت طائفة: يحرم قليل ذلك وكثيره، وهو قول علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس. 
وقالت طائفة: لا تحرم الرضعة والرضعتان، وإنما تحرم ثلاث، روي ذلك عن عائشة، وابن الزبير، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، واحتجوا بقوله عليه السلام: (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان).
وقالت طائفة: لا يقع التحريم إلا بخمس رضعات مفترقات، روي ذلك عن عائشة، وهو قول الشافعي، وحكي عن إسحاق، واحتجوا بقول عائشة: كان فيما نزل في القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات،
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن. وروي عن عائشة أيضًا أنه لا يحرم إلا سبع رضعات، وروى عنها أنها أمرت أختها أم كلثوم أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات ليدخل عليها، وروى مثله عن حفصة أم المؤمنين.
وحجة القول الأول قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) النساء: 23، ولم يخص قليل الرضاع من كثيره، وقد قال العلماء: إن أحاديث عائشة في الرضاع اضطربت، فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله. قال الطحّاوي: وكيف يجوز أن تأمر عائشة بعشر رضعات وهي منسوخة، وتركناها ونأخذ بالخمس الناسخة لها.
وحديث الإملاجة والإملاجتين لا يثبت؛ لأنه مرة يرويه ابن الزبير عن النبي، عليه السلام، ومرة عن عائشة، ومرة عن أبيه، ومثل هذا الاضطراب يسقطه.
قال الطحاوي: والنظر في ذلك أنّا رأينا الذي يحرم لا عدد فيه، ويحرم قليله وكثيره...)[3].
ملاحظات:
v    اهتم ابن بطال في شرحه لهذه المسالة بذكر الخلاف، وتوثيق كل رأي إلى صاحبه، ثم يرجح في آخر شرحه للمسألة حسب اختيار مذهبه المالكي ولكن دون أن يصرح به، وذلك في قوله: وحجة القول الأول قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) ولم يخص قليل الرضاع من كثيره، يستفاد من هذا اعتماده على أصل المذهب المالكي تقديم ظاهر الكتاب إذا عارضته أحاديث الآحاد. وكما يُستشف من عبارته "إن أحاديث عائشة في الرضاع اضطربت، فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله" يدل على ذلك كذلك.
v   قد يستعمل ابن بطال أدلة المذهب الآخر الذي يوافق موقفه ويعضده في المسألة مثل عزوه لرأي الطحاوي الذي كان على المذهب الحنفي.
v   الرجوع إلى قضية ثبوت الحديث أو عدمه من أجل هدم قول المخالف.

المذهب الحنفي


عمدة القاري شرح صحيح البخاري للبدر العيني (ت855ه)
ذهب البدر العيني كما ذهب ابن بطال، إلى ذكر آراء العلماء حول المسألة ورجح مذهبه أولا قبل أن يذكر آراء المذاهب الأخرى حيث قال:(وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه مِمَّن يرى أَن قَلِيل الرَّضَاع وَكَثِيره سَوَاء فِي الْحُرْمَة، وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود ... لإِطْلَاق الْآيَة)ويدل أنه يرى مطلق الآية لا تخصصها السنة النبوية إن كانت آحادا يقصد من ذلك الحديث ما روته أم المؤمنين عائشة خمس رضعات، وقال منتصرا لأصول المذهب الحنفي: (هَذَا كُله زِيَادَة على مُطلق النَّص، لِأَن النَّص غير مُقَيّد بِالْعدَدِ وَالزِّيَادَة على النَّص نسخٌ فَلَا يجوز)، وهذا الاستدلال من أصول المذهب الحنفي للعمل بحديث الآحاد هو "ألا يخالف الحديث عموم القرآن وظاهره".
ثم يذكر آراء المخالفين ويستعمل صيغة تشعر بموقفه من هذه المسألة: "وَقَالَت طَائِفَة: إِن الَّذِي يحرم مَا زَاد على الرضعة. ثمَّ اخْتلفُوا، فَعَن عَائِشَة: عشر رَضعَات، وعنها سبع رَضعَات، وعنها: خمس رَضعَات، ثم ذكر حجة الآراء المخالفين فيما: (روى مُسلم عَنْهَا: كَانَ فِيمَا نزل من الْقُرْآن عشر رَضعَات، ثمَّ نسخن بِخمْس رَضعَات مُحرمَات، فَتوفي رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وآله وَسلم، وَهن مِمَّا يقْرَأ...)".
وكما أنه يرجح حجته َبمذهب الْجُمْهُور فيبرر: (أن رأيهم أقوى لِأَن الْأَخْبَار اخْتلفت فِي الْعدَد) ثم يذكر مستندهم وهو (الرُّجُوع إِلَى أقل مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم)، ويبطل حجة المخالف -الشافعية ومن على رأيهم- (بأن قَول عَائِشَة الَّذِي رَوَاهُ مُسلم لَا ينتهض حجَّة لِأَن الْقُرْآن لَا يثبت إلاَّ بالتواتر، والراوي روى هَذَا على أَنه قُرْآن لَا خبر، فَلم يثبت كَونه قُرْآنًا، وَلَا ذكر الرَّاوِي أَنه خبر ليقبل قَوْله فِيهِ).
ويورد كذلك أثر ابن عباس رَضِي الله عَنْهُ، أَنه قَالَ:(قَوْلهَا: لَا تحرم الرضعة والرضعتان، كَانَ فَأَما الْيَوْم فالرضعة الْوَاحِدَة تحرم فَجعله مَنْسُوخا، وَكَذَلِكَ الْجَواب عَن قَوْلهَا: لَا تحرم الإملاجة وَلَا الإملاجتان)[4].

المذهب الشافعي


فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني
بدأ بذكر الخلاف الذي يدور حول حديث عَائِشَةَ، حيث ذكرت عَشْر رَضَعَاتٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْ حَفْصَةَ كَذَلِكَ وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا سَبْعُ رَضعَات أخرجه بن أَبِي خَيْثَمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَا يُحَرِّمُ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ.
 وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْهَا كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخَتْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهَا قَالَتْ لَا يُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ.
ثم أكد أن الحديث الأخير هو المعول عند الشَّافِعِيّ ثم ذكر من يذهب ما ذهب إليه الشافعي مثل: رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
ثم يرجح رأيه انتصارا لأصول مذهبه الشافعي حيث قال:(وَالثَّابِتُ مِنَ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْخَمْسِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ فَلَعَلَّهُ مِثَالٌ لِمَا دُونَ الْخَمْسِ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ بِالثَّلَاثِ فَمَا فَوْقَهَا إِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ بِالْمَفْهُومِ وَقَدْ عَارَضَهُ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُخَرَّجِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْخَمْسُ فَمَفْهُومُ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ وَمَفْهُومُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْأَرْبَعِ لَا يُحَرِّمُ فَتَعَارَضَا فَيَرْجِعُ إِلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَفْهُومَيْنِ وَحَدِيثُ الْخَمْسِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ وَحَدِيثُ الْمَصَّتَانِ جَاءَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ).
بعد أن بيّن طريق الترجيح في الأحاديث التي في ظاهرها تختلف في معناها جعل يجيب على انتقادات المذهب المخالف الذي قال:(إِنَّهُ مُضْطَرِبٌ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَن الزبير أَو عَن بن الزُّبَيْرِ أَوْ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ لَكِنْ لَمْ يَقْدَحْ الِاضْطِرَابُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ أَنَصُّ مَا فِي الْبَابِ)[5].


        بما أن السنة هي أصل بذاتها عند الشافعي، فإن ابن حجر لم يذكر ولم يتناول مسألة مخالفة السنة لظاهر القرآن لأن الآية تشير إلى معنى كلي والسنة تقيدها. ومن ثم، بدأ يعالج كيف يرجح ألفاظ الأحاديث الواردة التي تبدو في ظاهرها تدل على معنى بذاته، وذكر توجيهه لمن قال بأن الحديث وقع فيه الاضطراب.

الخاتمة


من خلال الأمثلة التي تناولناها في هذا البحث يمكن أن نقول: إنه لا يخلو شارح من شراح كتب السنة من توجيه فقه الحديث على أصول مذهبه، ولكن دون أن يشير إلى أصوله بطريقة مباشرة، وهذا الأمر يُستشف من خلال تأمل منهج المؤلف من خلال عرضه للمسألة مثل استعماله صيغة التمريض لرأي المخالف وتقديم الرأي المختار لديه قبل ذكر الرأي المخالف.
وفي هذه المسألة اتفق المذهب المالكي والحنفي في توجيهاتهما، فقد استعمل ابن بطال حجة الطحاوي ليعضد رأيه من أجل بناء أطروحته، ورجع إلى قضية ثبوت الحديث أو عدمه للرد على قول المخالف، واعتمد قول الجمهور واحتكم إلى عدم تخصيص الحديث إذا خالف عموم القرآن. بينما الشافعي، إذا ثبت عنده الحديث يجعله أصلا مستقلا بذاته، فنكون بذلك أمام أصلين مستقلين كل منهما يتناول ما اندرج تحته.





[1] بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، ج3، ص60.
[2] نقد مقال في مسائل من علم الحديث والفقه وأصوله وتفضيل بعض المذاهب للشيخ عبد الحي بن محمد بن الصديق، ص 9.
[3] شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج،7 ص197-199.
[4] عمدة القاري لبدر الدين العيني، ج20، ص 97.
[5] فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، ج9، ص153.

No comments:

Post a Comment