بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر الحق ومتّبعه، وداحض الباطل ومبتدعه، مبيّن الأدلة على
ألسنة رسْله، ومظهر الأعلام على واضح سؤْله، ليتذكر أولوا الألباب، ويتوصّل بها
إلى نهْج الصواب، ويلجأ إليها عند اعتراض الشُّبَه، ويُتمسك بها عند تفرّق السبل
ويُدعى إليها من تُرجى إنابته، ويستشهد بها على من تُيُقنت معاندته حمدا استمد به
هدايته، وأستوهب به حفظه ورعايته. وصلّى الله على نبيّنا محمد المبلغ الرسالة
والمخلص من الضلالة وعلى آله وسلّم تسليما[1].
أما بعد،
فقد عنى العلماء في الإسلام بالجدل والمناظرة
عناية شديدة، من يوم أنشب الخلاف الفكري بين العلماء ورجال الفكر في هذه الأمة،
وانتهت عنايتهم بوضع قواعد لتنظيم الجدل والمناظرة لكي يكونا في دائرة المنطق
والفكر المستقيم، أسموها علم الجدل أو علم أدب البحث والمناظرة. وكان الاعتراض هو
قاعدة من القواعد المهمة في هذا العلم بل يعتبر لبنة رئيسة لا يستقيم إلا بوجوده.
وذلك أغلب مسائل التي تدور في علم من العلوم إلا
ولها علاقة بالاعتراض. من أجل ذلك أخترت موضوع عرضي في مادة الجدل والمناظرة أن
يكون حول "فساد الوضع" إذ هو طريق من طرق الاعتراض، وهو كذلك باب ما يتعرض به على القياس وما يبدأ
به كما ذكر الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله.
بناء على أهمية هذا الموضوع، فأحدد المباحث التي ستبحث في هذا العرض
المتواضع كما يلي:
-
المبحث الأول: تعريف فساد الوضع.
-
المبحث الثاني: الفرق بين فساد الوضع وفساد الاعتبار.
-
المبحث الثالث: أقسام فساد الوضع.
-
المبحث الرابع: نماذج من فساد الوضع في المسائل
الفقهية.
المبحث
الأول: تعريف فساد الوضع
تعريف المفرد
الفساد في اللغة: العطب والتلف وخروج الشيء عن كونه منتفعًا به، ونقيضه: الصلاح.
وفي الاصطلاح الشرعي: يراد به الفساد في الأرض، وهو إظهار معصية الله تعالى وانحراف عن هديه، تقترن بإلحاق ضرر بالآخرين في أنفسهم وأموالهم، وأحيانًا في أعراضهم وكراماتهم، لأن الشرائع سنن موضوعة بين الناس، فإذا تمسكوا بها زال العدوان، ولزم كل أحد شأنه، فحقنت الدماء وسكنت الفتن، وكان فيه صلاح الأرض وصلاح أهلها.
أما إذا تركوا التمسك بالشرائع أو الأنظمة والقوانين، وأقدم كل أحد على ما يهواه، حدث الهرج والمرج والاضطراب، ولذلك قال الله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)[2]، وقال أيضًا :(وَلَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[3]،
قال الإمام فخر الدين الرازي (ت606ه): نبههم على أنهم إذا أعرضوا عن الطاعة لم يحصلوا إلا على الإفساد في الأرض به[4].
والفساد عند الحكماء: زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة.
والفساد عند الفقهاء: ما كان مشروعًا بأصله، غير مشروع بوصفه، والمراد بالأصل: أساس الشيء، وهو في العقد: أن يكون في الصيغة، أو العاقدين، أو المعقود عليه، ولا يترتب عليه أثر شرعي. والوصف: ما كان خارجًا عن الركن والمحل، كالشرط المخالف لمقتضى العقد.
والفساد عند الأصوليين: ينقسم إلى قسمين؛ أولا: فساد الوضع؛ وهو أن يكون الدليل على الهيئة
الصالحة في ترتيب الحكم. وثانيا: فساد الاعتبار؛ وهو أن يخالف الدليل نصاً أو
إجماعاً.
الوضع لغةً[5]: جعل اللفظ بإزاء المعنى. واصطلاحا:
تخصيص شيء بشيء، متى أُطلق، فُهم منه الشيء الثاني.
وعند الحكماء: هو هيئة عارضة للشيء بسبب نسبتين؛ نسبة أجزائه
بعضهما إلى بعض، ونسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه كالقيام والقعود، فإن كلا
منهما هيئة عارضة للشخص بسبب نسبة أعضائه بعضها لبعض، وإلى الأمور الخارجة عنه[6].
والوضع الحسي: إلقاء الشيء المستقل، وقال الراغب[7]:
والوضع أعم من الحط، ومنه الموضع. والوضيعة الحطيطة.
تعريف المركب
اختلف
العلماء في بيان المعنى فساد الوضع على حسب زوايا متعددة، وهو كالتالي:
1)
عرّفه الإمام أبو الوليد الباجي (ت474ه) في
كتابه المنهاج في ترتيب الحِجاج:
"إن فساد الوضع يكون على
وجهين، أحدهما: أن يعلق على العلة ضد مقتضاها، والثاني: أن يعتبر الشيء بما لا
يقتضي اعتباره به"[8].
2)
أشار إليه الإمام أبو المعالي الجويني (ت478ه)
في كتابه الكافية في الجدل بقوله:
"الفساد في الوضع؛ أن
تجعل العلة من أعم الأوصاف، نحو قولك: وموجود ومعلوم ومذكور ومبعوث إليه. أو من
أسماء الألقاب كقولك: زيد وبكر وعمرو ودار وبلد..."[9].
3) ذكر الإمام أبو إسحاق الشيرازي (ت476ه) في كتابه
المعونة في الجدل:
"فَسَاد الْوَضع وَهُوَ أن يعلق على الْعلَّة ضد مَا
يَقْتَضِيهِ وَيعرف ذَلِك من وَجْهَيْن أحدهما من جِهَة الأصول وَالثَّانِي من
جِهَة الرَّسُول"[10].
4)
عرّفه نجم الدين الطوفي الحنبلي (ت716ه) في
كتابه علم الجذل في علم الجدل:
"فساد
الوضع وهو ألا يكون القياس صالحا لإفادة الحكم المطلوب به كتلقّي التضييق من
التوسع والتخفيف من التغليظ والإثبات من النفي أو بالعكس، أو أن تكون علّة القياس
مشعرة بنقيض ما عُلّق عليها"[11].
ثم قال: "جعل بعضهم فساد الوضع؛ الاستدلال بالقياس فيما لا يهتدى إليه
بالقياس كالكفارات والمقدرات والحدود وأشبهها".
5)
ذكر الإمام الشوكاني (ت1250ه) في كتابه إرشاد
الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول في الفصل الخامس من باب القياس؛ فيما لا يجري
فيه القياس، قال:
"فساد
الوضع هو إبطال وضع القياس المخصوص في إثبات الحكم المخصوص، بأن يبين المعترض أن
الجامع الذي ثبت به الحكم قد ثبت اعتباره بنص، أو إجماع في نقيض الحكم. والوصف
الواحد لا يثبت به النقيضان؛ وذلك بأن يكون أحدهما مضيقا، والآخر موسعا، أو أحدهما
مخففا، والآخر مغلظا، أو أحدهما إثباتا، والآخر نفيا"[12].
وساق تعريف آخر غير راجح ويأتي بصيغة التمريض بقوله:
"وقيل فساد
الوضع: هو إظهار كون الوصف ملائما لنقيض الحكم، مع اتحاد الجهة، ومنه: الاحتراز
عند تعدد الجهات لتنزيلها منزلة تعدد الأوصاف، وعن ترك حكم العلة بمجرد ملاءمة
الوصف للنقيض دون دلالة الدليل؛ إذ هو عند فرض اتحاد الجهة خروج عن فساد الوضع إلى
القدح في المناسبة"[13].
6)
قال العلامة محمد عبد الرؤوف المناوي (ت1031هـ)
في كتابه التوقيف في مهمات التعريف:
"فساد
الوضع: ألا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم"[14].
المبحث الثاني: الفرق بين فساد الوضع
وفساد الاعتبار
قال الإمام نجم الدين الطوفي: فساد الوضع أخص من فساد الاعتبار، فكل فاسد
الوضع فاسد الاعتبار لأن فاسده ذاتيّ في نفسه، وليس كل فاسد الاعتبار فاسد الوضع
لأن فاسده ليس في نفسه لعارض حصول الدليل أولى منه معه[15].
ثم قال: (فساد الوضع متردد بين المنع والمعارضة إذ حاصله أن العلة لما
اقتضت حكمين من جهتين منع المعترض اقتضاءها لما ادعاه المستدل وادعى اقتضاءها، فهو
بالإضافة إلى الأول منع وبالإضافة إلى الثاني ضرب معارضة في الفرع).
قال العلامة محمد عبد الرؤوف المناوي: فساد الاعتبار هو أن يخالف الدليل نصا أو
إجماعا، وهو أعم من فساد الوضع[16].
قال
الإمام الشوكاني مفصلا لآراء
العلماء حول فساد الوضع وفساد الاعتبار: "إن
فساد الاعتبار أعم من فساد الوضع، فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار، ولا عكس".
ثم ذكر من جعلهما شيئا
واحدا بقوله: "جعلهما أبو إسحاق الشيرازي واحدا. وقال ابن برهان: هما شيئان
من حيث المعنى. إلا أن الفقهاء فرقوا بينهما باعتبار: فساد الوضع، وهو: أن يعلق
على العلة ضد ما يقتضيه النص، وفساد الاعتبار هو: أن يعلق على العلة خلاف ما
يقتضيه النص..."[17].
المبحث الثالث: أقسام فساد الوضع
النموذج
الأول: تقسيم فساد الوضع باعتبار الإمام أبي الوليد الباجي[18].
يقول
رحمه الله: لفساد الوضع وجهان. أولا: أن يعلق على العلة ضد مقتضاها، فإنه
يعرف تارة بالنطق وتارة بالأصول. وثانيا: أن يعتبر الشيء بما لا يقتضي
اعتباره به. وقد يسمى هذا فساد الاعتبار، فهو أن يعتبر حكما بحكم يخالفه،
وقد يكون في اعتبار الفرع بالعلة وذلك يعرف بطريقتين: النص وبالأصول[19].
يمكن استخلاص توجيه الإمام أبي الوليد الباجي في فساد الوضع كما يلي:
فساد
الوضع
|
اعتبار
الشيء لا يقتضي اعتباره به
(فساد
الاعتبار)
|
بالنطق
|
بالنص
|
بالأصول
|
بالأصول
|
اعتبار
الشيء يتعلق ضد مقتضاها
|
الوجه الأول: أن يعلق على العلة ضد مقتضاها
القسم الأول: نموذج العلة التي تعرف بالنطق
مثل استدلال الحنفية على جواز بيع الرطب بالتمر متساوياً حال العقد، وأن
ما يحدث من النقص في حال النهاية لا يمنع صحة العقد قبله، لأنه ينقص بحدث الجفوف.
فلم يمنع صحة البيع كبيع التمر الحديث بالقديم.
فيقول المالكية: "علّقت على العلة ضد مقتضاها، لأن النقص بالجفوف جعله
النبي صلّى الله عليه وسلم، في منع البيع علة لما قال للسائل: (أينقص الرطب إذا جفّ؟)
قالوا: نعم، قال: فلا إذًا. وما جعله صاحب الشرع علّة المنع لا يجوز أن تجعله علّة
في الإباحة.
والجواب عنه: أن يتكلم المسؤول على الخبر الذي ذكره السائل ويبين أنّ ما
ذكره علّة للحكم.
القسم الثاني: نموذج العلة التي تعرف بالأصول
مثل استدلال الشافعية على أن من أفطر في رمضان عامدا بالأكل فلا كفارة
عليه. لأنّه أفطر بما يصحّ وقوعه من الواحد، فلم تجب عليه كفّارة لو أفطر في
السفر؛ فيقول له المالكية: (علّقت على العلّة ضد مقتضاها لأن وقوع الفطر منه في
رمضان، مع شدة مأثمه، لا يكون دليلا على سقوط الكفّارة، وإنمّا يكون دليلا على
تغليظ حكمه ووجوب الكفارة به.
والطريق في الجواب، أن يبين أنه لم يعلق عليها إلا ما وافق مقتضاها، وإن
وجد إلى ذلك سبيلا.
الوجه الثاني: فساد الاعتبار
القسم
الأول: بالنص[20]
فمثال ذلك استدلال الحنفية في أن الطلاق بالنساء بأنه عدد تتعلّق به
البينونة، فاعتبر بالنساء كالعدّة.
فيقول المالكية: هذا اعتبار فاسد، لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطلاق
بالرجال والعدّة بالنساء)، ففرّق بين الحكمين. والجواب: أن يتكلم على
الحديث بما يفقه ليصحّ له الجمع.
ومما يعرف بالأصل اعتبار الفرع بالأصل؛ وهما في الأصل مختلفان في نظير الحكم. مثال ذلك،
أن يعتبر الصغير بالكبير كاعتبار أحدهما بالآخر والأصول فرّقت بينهما. كأن يعتبر
الصغير لا يجب عليه الصوم والصلاة والحج والبالغ يحب عليه ذلك، وكيف ذلك؟
والجواب أن يقال: إن الصغير والكبير فيما يعود إلى الأصول لا فرق بينهما، يدلّك على ذلك
تساويهما في وجوب العشر في أموالهم ووجوب زكاة الفطر عليهما ووجوب نفقة الأقارب
وقيم الملتفات، وأما الصوم والصلاة والحج فإن ذلك من عبادات الأبدان، فلذلك فرّق
فيها بين الصّغير والكبير.
النموذج الثاني: توجيه الإمام أبي إسحاق الشيرازي[21].
قال: ذَلِك (فساد الوضع) على وَجْهَيْن؛ أحدهما: من جِهَة الأصول،
والثاني من جهة الرسول.
النموذج من الوجه الأول:
فهو مثل أن يقول الحنفي في قتل العمد أنه يوجب
القتل فلا يوجب الكفارة كالردة. فيقال له علقت على العلة ضد المقتضي بأن كونه
موجبا للقتل بسبب التغليظ فلا يجوز أن يجعل سببا لإسقاط الكفارة.
والجواب: أن يبين أنه لا يقتضي إلا ما علق عليه لأنه إذا
تغلظ بوجوب القتل وجب أن يستغني عن تغليظ آخر وأجاب بعضهم عنه بأن هذا يبطل بالأصل
وهو الردة فإنها أوجبت القتل ثم لم توجب الكفارة.
النموذج من الوجه الثاني:
فهو مثل أن يقول الحنفي في تنجيس سؤر السباع أنه سبع ذو ناب فكان سؤره
نجسا كالخنزير.
فيقول الشافعي رحمه الله كونه سبعا جعل في الشرع علة للطهارة والدليل
عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دُعي إلى دار قوم فأجاب ودعي إلى دار قوم
فلم يجب فقيل له صلى الله عليه وسلم دعاك فلانٌ فأجبت ودعاك فلان فلم تجب فقال: إن
في دار فلان كلبا، فقيل وفي دار فلان هرة، فقال: الهرة سبع فجعل كون الهرة سبعا
علة للطهارة فلا يجوز أن يجعل علة للنجاسة. والجواب: أن يتكلم على الخنزير
بم يسقطه ليسلم له العلة.
المبحث
الرابع: نماذج من فساد الوضع في المسائل الفقهية
النموذج الأول:
مثل أن يستدل المالكية على أن المرفقين لا مدخل لهما في التيممّ، لأنّ
المرفق عضو يثبت حدا في الوضوء بالنص، فلم يكن له مدخل في التيمم كالعينين.
فيقول الحنفية والشافعية: ((علقت على الإثبات نفيا، وذلك أن إثباته في
بعض الطهارات يقتضي إثباته في سائرها، فأما أن يقتضي ذلك الإثبات انتفاءه عن غيرها،
فغير صحيح وغير مقتضى القياس...))[22].
النموذج الثاني: في اعتبار المطلق بالمقيد
مثل الاستدلال المالكي في الكفارة الظِّهار أنه عتق في الكفارة؛ فاعتبر
فيه الإيمان كالعتق في كفارة القتل؛ فيقول المخالف: ((هذا اعتبار فاسد؛ لأن الله
تعالى قد ذكر الرقبة في القتل وقيدها بالإيمان، وذكرها في الظهار وأطلق؛ ولا يجوز
قياس المنصوص على المنصوص))[23].
النموذج الثالث: في اعتبار حكم بحكم أحدهما مبني على التخفيف والآخر على التغليظ
مثل أن يستدل المالكي على وجوب اعتبار الإيمان في الرقبة المعتقة للظهار
بأن هذا اعتق في كفّارة، فكان من شرطه الإيمان ككفّارة القتل.
فيقول الحنفي: ((هذا اعتبار فاسد، لأن القتل معصية مغلظة والظهار مخففة،
ولا يجوز أن يعتبر أحدهما بالآخر))[24].
النموذج الرابع: في اعتبار حكم بحكم أحدهما أوسع
مثل أن يستدل المالكي على وجوب الكفارة على الأكل في رمضان بأن هذا الحكم
يلزم المنتهك لحرمة رمضان بالجماع فلزم المنتهك لحرمة بالأكل كالقضاء.
فيقول الشافعي: ((هذا اعتبار فاسد لأنك اعتبرتَ الكفارة بالقضاء، والقضاء
أوسع من الكفارة، ألا ترى أنه يجب في موضع النذر ولا تجب الكفارة؟ فلا يصح
الاعتبار أحدهما بالآخر))[25].
النموذج الخامس: في اعتبار المسلم بالكافر
أن يستدل الحنفيّ على قتل المسلم بالذمي قِصاصا، لأن الذمي محقون الدم
على التأبيد، فوجب أن يقتل به المسلم كالمسلم.
فيقول المالكي: ((اعتبرت الكافر بالمسلم، وذلك لا يجوز لأن الأصول قد
فرّقت بينهما، لأن المسلم أتم الحرمة من الكافر؛ ألا ترى أنه لا يحد بقذفه، ويحد
بقذف المسلم، ولا يثبت للكافر على المسلم حق ويثبت للمسلم؟))[26].
النموذج السادس: في اختلاف الأصل والفرع مع اتفاقهما في الحكم المختلف
فيه
مثال أن يستدل المالكي على أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبين في غسل
الجنازة بأن هذا غسل لغير نجاسة، فلم يجب فيه المضمضة والاستنشاق دليله غسل الميت.
فيقول الحنفي: ((لا يجوز اعتبار غسل الحي بغسل الميت، ألا ترى أن الميت
مخالف للحي في كثير من أحكام التكليف؟ ولذلك تجب عليه عبادات من صلاة وصوم، ولا
يجب شيء من ذلك على الميت))[27].
المصادر والمراجع
1.
علم
الجذل في علم الجدل لنجم الدين الطوفي،
تحقيق فولفهارت هاينريشس، الطبعة الأولى 1408ه/1886م، دار فرائر شتايز بغيسبادن.
2.
إرشاد
الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
للشوكاني، تحقيق الشيخ أحمد عزو عناية، الطبعة الأولى 1419هـ / 1999م، دار الكتاب
العربي.
3.
موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم لمحمد عبد الرؤوف المناوي،
تقديم وإشراف ومراجعة د. رفيق العجم، تحقيق د. علي دحروج، الطبعة الأولى سنة 1996م،
مكتبة لبنان بيروت.
4.
التعريفات للجرجاني، تحقيق جماعة
من العلماء بإشراف، الطبعة الأولى 1403هـ -1983م دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
5.
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة
لبنان.
6.
كتاب المنهاج في ترتيب الحجاج لأبي الوليد الباجي،
تحقيق عبد المجيد تركي، الطبعة الخامسة 2014م، دار الغرب الإسلامي.
7.
الكفاية في علم الجدل لأبي المعالي الجوني، تقديم وتحقيق وتعليق
الدكتورة فوقية حسين محمود، الطبعة الأولى 1399ه/1979م، مطبعة عيسى البابي الحلبي
وشركاءه.
8.
المعونة في الجدل لأبي إسحاق الشيرازي، تحقق د. علي عبد العزيز
العميريني، الطبعة الأولى، سنة 1407ه، جمعية إحياء التراث الإسلامي – الكويت.
9.
مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي،
الطبعة: الثالثة سنة 1420 ه، دار إحياء التراث العربي بيروت.
[19] الإمام أبو الوليد الباجي
لا يفرق بين فساد الوضع وفساد الاعتبار، بل أدرج فساد الاعتبار ضمن قسم فساد
الوضع.